الثلاثاء، 10 سبتمبر 2019

ما تيجي نرقص

علي واحدة ونص بس فرعونى!!



لو أن المصري القديم اعتاد تسجيل كل «رقصة» أو «سهرة أُنس» في حضرة آلهته أو مناسبة زفاف، وآلات الموسيقى تحيط بجميع القادرين، ربما كان الوضع اختلف كثيرًا فيما يرتبط بتاريخ الرقص في مصر!
فمن وحي اللغة المصرية القديمة، احتفظت بعض الكلمات بما يشير إلى «الرقص» أو التي  تصف بشكل نادر طبيعة الرقصات التي كانت تؤدى بها، فكانت الكلمة الأشهر «ibᵌ» أو التي تعني «أن يرقص». 
فالرقص عند المصريين ثقافة شعبية تعود بجذورها لأيام الفراعنة، الذين مارسوا الرقص رجالا ونساء كوسيلة تعبيرية ولأغراض متنوعة، منها الديني والحربي والرياضي وللتأمل؛ قبل أن يرتبط الرقص حديثا بالإغراءات الجسدية!
وبحسب ما توفر من رسوم ثنائية الأبعاد تخص الراقصين من مصر القديمة، ومصدرها جدران المعابد والمقابر أو حتى المناظر المرسومة  على قطع الأوستراكا أو البردي ، فإن هذه الرسوم ارتبطت بتقاليد الفن المصري القديم؛ لكنها لم توفر مساحة كافية من المرونة لإظهار مدى الانسيابية التي يتم تأديتها أثناء الرقص. 
فقد نرى على أنغام الموسيقى تتمايل الفتيات علي جدران المعابد المصرية القديمة، لاسترضاء الآلهة لتجلب المطر والخصب للبلاد وتعود الحياة من جديد.
 فالمرأة  كانت ولا تزال هي رمز الخصوبة والإنجاب؛ وقد ربط الفراعنة بين المرأة وإيمانهم بالحياة الأبدية؛ كما تتجدد الحياة في النبات بعد موته.
 ووفقًا للدكتور "حسين عبد البصير" ، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، فإن المناظر المصورة للرقص لم يكن الغرض منها التسجيل بهدف إعلام المشاهد بالرقصات أو طبيعتها؛ لكن كان الهدف منها أغراض أبعد مثل : التعبير عن طقوس عبادة للإله، أو كمراسم لتسهيل عملية المرور للعالم الآخر او نوع الرقص الذي نطلق عليه الآن «الرقص الشرقي».. فتحريك الخصر –الذي يحمل الجنين بداخله-  هو جزء من رمزية الخصوبة والحياة الأبدية.

أما في عصر الدولة الوسطى فالمناظر المصورة في مقابر بني حسن ودير الجبراوي تظهر حركات تبدو أكروباتية أكثر من كونها حركات رقص مثل تقويس الجسد بالكامل، أو 
الانحناء حتى يلامس الذراعين الساقية أو القفزات السريعة والحركات البهلوانية على أنغام الموسيقى ودقات الطبول.، بالإضافة إلى أنه يما يخص الآلهة فقد ارتبط بعضهم بالرقص أمثال "الإلهة حتحور وابنها حورس الصغير «ihy»" فقد ارتبطا بالموسيقى والرقص. 


فقد تعبد المصريون بالرقص للإلهة "حتحور" أو الأم السماوية، وهي واحدة من أهم الآلهة الفرعونية على الإطلاق، ويعني اسمها «بيت حورس» فهي التي احتضنت الإله حورس وهو طفل صغير بعد مقتل والده أوزوريس، حتى استطاع أن ينتصر على إله الشر «ست» الذي قتل والده؛ فصارت بذلك الأم السماوية رمز الحب والعطاء والخصوبة، وأيضًا إلهة الموسيقى والرقص والحب البهجة.
وظهر الراقصون يحملون أدوات موسيقية مخصصة ومقدسة للإلهة حتحور، وكذلك ارتبط الإله «بس» بالرقص، وقد ظهر يقوم بالرقص ويعزف آلات موسيقية، وربما كان هذا إشارة واضحة للمشاهد  التي صورت الأقزام  وهم يقومون بالرقص.
وفي عدد من المناظر ظهرت الراقصات في المآدب يرقصن على أنغام العازفين، كما ظهرت الراقصات يرتدين القلائد والأساور والأقراط، واضعات مكحلات الأعين ؛ حيث بدا من تعبيرات وجوههن أنهم محترفات.

كما كان هناك التحطيب وهو  نوع من الفنون القتالية عند الفراعنة، تستخدم فيها العصا الغليظة لإحداث ضربات موجعة وقاتلة عند الخصم؛ وفقًا لموقع «حراس الحضارة» المتخصص في التاريخ الفرعوني.

وبمرور السنوات تحول التحطيب لوسيلة تهدف إلى تسلية الجنود وإشعال الحماس بينهم لتخويف الخصوم قبل الحرب، ثم أصبحت نوعًا من الرقصات التراثية المسلية لتفريغ الطاقة في جو من الحماسة.


ثم تحولت العصا الغليظة، لعصا مناسبة تصنع من ورق البردي حتى لا تتسبب في أي أذى للراقصين؛ وأحيانا تؤدى الرقصات بشكل فردي.
كما ظهرت اراء اخري ترجع رقصة التحطيب لمعنى أعمق من القتال والفروسية، فهي تجسيد للصراع بين الإله «أوزوريس» وأخيه «ست» الذي كان صلب العقيدة المصرية منذ الدولة القديمة.
ففي معبد أوزوريس بالأقصر، مثل المصريون القدماء واحدة من أهم العروض الراقصة وهي أسطورة "إيزيس وأوزوريس" التي تجسد الصراع بين الخير والشر، فعبادة إيزيس وأوزويس وحورس كانت صلب العقيدة المصرية القديمة، كما تقول دراسة صادرة عن المركز المصري لدراسات وحقوق المرأة بالصعيد.
وعندما زار «هيرودوت» مصر في القرن الخامس قبل الميلاد، شاهد عرضًا تمثيليًا لأسطورة إيزيس وأوزوريس الشهيرة التي تمثل الصراع بين الخير والشر.
وسبقت مصر اليونان نفسها في العروض المسرحية التي وُظف فيها الرقص، لإعادة تمثيل الطقوس الدينية والأحداث التاريخية الهامة
كما كان هناك  الكثير من الجداريات والشواهد في مدينة الكرنك بالأقصر وإدفو بأسوان وأبيدوس بسوهاج تشير الي تواجد مدارس لتعليم شتى فنون الرقص.
ومن هذه الجداريات نتعرف على أنواع أخرى للرقص مثل:
الرقص الذي يستخدم لأغراض السحر وطرد الأرواح الشريرة بمحاكاة حركة الحيوانات التي يعتقد بامتلاكها قوة خارقة.
ثم مرت آلاف السنين، تغيرت فيها الثقافة والعادات والتقاليد، وتغير الرقص من وسيلة تعبيرية أو طقس ديني خاص بالخصوبة، لحركات «إغراء».. تؤديها «نساء دون تأهيل أو احترام للعرف» كما جاء في كتاب «وصف مصر» للحملة الفرنسية.

لكن الواضح أن «رقص المتعة» بدأ قبل الحملة الفرنسية بكثير حين توافد قبائل الغجر إلى مصر في منتصف القرن السادس عشر الميلادي، وقد اختاروا عيش حياة بدائية في قبائل منعزلة بعيدا عن أي أعراف أو تقاليد، 
فصارت «غوازي الغجر»  يرقصن رقصا يهدف إلى إمتاع المشاهدين، بحركات اهتزازية سريعة ومبتذلة، وثياب ضيقة تكشف نحورهن وسواعدهن؛ وتصاحبهن أغنيات قبيحة وأحيانا يصحبهن المشعوذين والقرداتية؛ كما تذكر ريم أبو عيد في كتابها «على اسم مصر».
وقد كانت بداية نهاية الفن الراقي للاسف!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق