السبت، 14 سبتمبر 2019

التدخين والنشوة

تدخين احشاء السمك!!!

يرجع تاريخ التدخين إلى عام 5000  قبل الميلاد في الطقوس الشامانية. و بدأ بحرق البخور  باستخدام مواد مثل الحشيش ، الزبد المصفى (السمن) ، أحشاء السمك ، جلود الثعابين المجففة، و غيرها من المعاجين التي تُلف و تُشكل حول أعواد البخور إلى 2000 عام على الأقل. وقد كان يوصف التبخير (dhupa) وقرابين النار (homa) في طب أيورفيدا لأغراض طبية و تمت ممارسة هذه العادات لمدة لا تقل عن 3000 سنة ، و انتشر في  الحضارات  البابلية والهندية والصينية  كجزء من الطقوس الدينية ، و كذلك قام بنو إسرائيل و لاحقا الكنائس المسيحية الكاثوليكية و الأرثوذكسية بالفعل نفسه. و يرجع ظهور التدخين في الأمريكتين إلى الاحتفالات التي كان يقيمها كهنة الشامان ويحرقون فيها البخور، ولكن فيما بعد تمت ممارسة هذه العادة من أجل المتعة أو كوسيلة للتواصل الاجتماعي. كما كان يُستخدم تدخين التبغ و غيره من المخدرات المسببة للهلوسة من أجل إحداث حالة من الغيبوبة أو للتواصل مع عالم الأرواح!
 فالتدخين (dhumrapana) (ويعني حرفيًا "شرب الدخان")   قد تمت ممارسته لمدة لا تقل عن 2000 سنة. و قبل العصر الحديث، كانت تُستهلك هذه المواد من خلال أنابيب، وقصبة مختلفة الأطوال أو chillums . فعندما رسى" كولمبوس "عام 1492 على شواطئ أمريكا احضر له بعض الأولاد فواكه و أوراق نباتات مجففة، حيث رماها ولم يعرف بأنها أوراق تبغ. ثم في احد الرحلات إلى كوبا  شاهد  احد ملاحي كولمبوس رجلا يدخن أوراق ملفوفة بعصا مثقوب يسمى "توماكو" حيث سماه الأسبان خطأ باسم "توباكو", و هو أصل كلمة التبغ!
و في عام 1560 قدم رجل فرنسي يدعى جان نيكوت (الذي ينسب إليه لفظ النيكوتين) التبغ إلى فرنسا. و انتشر التبغ من فرنسا إلى إنجلترا. و في عام 1556 شوهد أول رجل إنجليزي يدخن التبغ، و هو بحار شوهد و هو "ينفث الدخان من فتحتي أنفه". كان التبغ واحدًا من بين المواد المسكرة مثل الشاي و القهوة و الأفيون التي كانت تستخدم في الأساس كشكل من أشكال الدواء. قُدم التبغ في عام 1600 من قبل التجار الفرنسيين إلى ما يعرف اليوم ب غامبيا والسنغال. و في الوقت نفسه، قدمت القوافل القادمة من المغرب التبغ إلى المناطق المحيطة بمدينة تيمبوكتو، كما قدم البرتغالييون السلعة و النبات إلى جنوبي أفريقيا، و منها انتشر التبغ في كل أنحاء أفريقيا بحلول منتصف القرن السابع عشر.
و كان تدخين الحشيش رائجًا في الشرق الأوسط قبل وصول التبغ، و كان شائعًا قديما كنشاط اجتماعي تَمركز حول تدخين نوع من أنابيب التدخين المائية الذي يطلق عليه "شيشة". و بعد دخول التبغ أصبح التدخين مكونًا أساسيًأ في المجتمع و الثقافة الشرقية ، و أصبح ملازما لتقاليد هامة مثل الأفراح و الجنائز حيث تمثل ذلك في العمارة و الملابس و الأدب و الشعر. فيقوم المدخّن بحرق مادّة التّبغ و استنشاق الدّخان الخارج منها ليدخل رئته و يلبّي حاجته من مادة النّيكوتين الّتي يعدّ استهلاكها شكلًا من أشكال الإدمان. و قد حارب عددٌ من السّلاطين و الملوك عادة التّدخين في أماكن تواجدهم، و منعوا ممارستها و الاتّجار بها، و من بينهم السّلطان العثماني "مراد الرّابع" الذي رأى في ممارسة هذه العادة تهديداً للصّحة و السّلامة العامّة، كما قام امبراطور الصّين في تلك الفترة بنفس الإجراء؛ حيث أصدر مرسوماً يمنع التّدخين .
  بينما  كان رجال الدين من أبرز المعارضين للتدخين حيث رأوا أن التدخين عمل غير أخلاقي أو من أعمال الكفر الصريح. ففي عام 1634، قام بطريرك موسكو بحظر بيع التبغ و حكم على الرجال و النساء الذين يخالفون القرار بأن تشق فتحات أنوفهم طوليًا و أن تجلد ظهورهم حتى ينسلخ عنها الجلد. و بالمثل قام بابا الكنيسة الغربية "إربان السابع" بإدانة التدخين في بيان رسمي باباوي في عام 1950. و على الرغم من تضافر الجهود، فقد تم تجاهل القيود و قرارات الحظر على مستوى العالم. و عندما اعتلى العرش الملك الإنجليزي" جيمس الأول"، و كان معارضًا شرسًا للتدخين قام بتأليف كتاب ضد التدخين تحت عنوان "إدانة التبغ", و قد حاول تحجيم و حظر هذا الاتجاه الجديد عن طريق فرض زيادة باهظة على ضريبة تجارة التبغ و قدرت ب4000 في المائة في عام 1604. و على الرغم من ذلك، فإن تلك التجربة باءت بالفشل، حيث كان في لندن حوالي 7000 بائع للتبغ في مطلع القرن السابع عشر. وبعد ذلك، أدرك الحكام الذين يهتمون بدقة القرارات بعدم جدوى قرارات منع التدخين، و بدلاً من ذلك، قاموا بتحويل تجارة و زراعة التبغ إلى مشاريع حكومية احتكارية مربحة.
و بحلول منتصف القرن السابع عشر ، تعرفت كافة الحضارات على تدخين التبغ ، و اعتبر تدخين التبغ في حالات كثيرة جزءًا من الثقافة المحلية على الرغم من محاولات كثير من الحكام لمنع تدخين التبغ عن طريق فرض العقوبات القاسية أو الغرامات. و قد اتبع التبغ المُصنع والنبات طرق التجارة الرئيسية و دخل الموانئ و الأسواق الكبرى و وجد طريقه إلى الأراضي النائية. و قد تم اصطلاح كلمة "التدخين " في الإنجليزية في أواخر القرن الثامن عشر، و قبل ذلك كان يطلق على تلك العملية شرب الدخان. و في الوقت الذي تعززت و تجمعت فيه رمزية السيجارة و الغليون و السيجار على حد سواء في نهاية القرن التاسع عشر، لم يبدأ الفنانون في استخدام هذه الرمزية بالكامل إلا في مطلع القرن العشرين. فكان الغليون يرمز للتأمل و الهدوء، بينما ترمز السيجارة إلى الحداثة و القوة و الشباب و إن كانت ترمز أيضًا إلى القلق العصبي، أما السيجار فكان رمزًا للسلطة و القوة. و في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية خلال ذروة التدخين قبل أن يقع تحت نيران الحركة المناهضة للتدخين و التي كانت في ازدهار آنذاك، كان ينظر للسيجارة التي تدس بلا مبالاة بين الشفتين على أنها رمز " لتمرد الشباب "، و كان هذا يتجسد في الممثلين أمثال "مارلون براندو" و"جيمس دين"، أو  في العمود الفقري للدعاية مثل "رجل مارلبورو". و مع سبعينيات القرن العشرين بدأت الخواص السلبية للتدخين في الظهور و التي تمثلت في الشخص المعتل صحيًا الذي ينتمي للطبقة الوسطى، و الرائحة الكريهة لدخان السجائر و انعدام الحافز و الدافع لاسيما في الفن، و كان كل هذا مستلهمًا ومنفذا من قبل الحملات المناهضة للتدخين.
  أما في العالم النامي، فكان استهلاك التبغ في ارتفاع مستمر ليصل ل 3.4 ٪ في عام 2002. و يعتبر التدخين ممارسة حديثة في معظم المناطق بإفريقيا ، حيث تجد العديد من الآراء المناهضة للتدخين التي تسود الغرب اهتماما أقل بكثير. كما نجد اليوم أن روسيا تأتي في مقدمة مستهلكي التبغ تليها اندونيسيا، لاوس، أوكرانيا،  مصر، اليونان، الأردن، و الصين. و لقد بدأت منظمة الصحة العالمية في تنفيذ برنامج يعرف باسم مبادرة التحرر من التبغ من أجل خفض معدلات الاستهلاك في العالم النامي.
و نظرًا لأن المدخنين يمارسون نشاطًا له آثار سلبية على الصحة، فإنهم يلجأوون إلى تبرير سلوكهم. و هذا يعني أنهم يضعون أسبابًا ليُقنعوا بها أنفسهم إذا لم يكن لديهم أسباب منطقية لممارسة التدخين. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن يبرر المدخن سلوكه بأن يصل إلى نتيجة أن الموت هو مصير كل حي و بالتالي فلن تغير السجائر شيئًا في هذه الحقيقة الواقعة. و من الممكن أن يعتقد الشخص أن التدخين يريحه من الضغط و أنه لديه فوائد أخرى تبرر مخاطره. هذه الأنواع من المعتقدات تجسد بالمعنى السلبي المصطلح "تبرير" نظرا لأن التبغ لا ينتج عنه أي نشوة و لا يؤثر بقوة على مراكز المتعة مثل غيره من المخدرات وآثاره الضارة معروفة وموثقة جيدا. ولكن لا حياة لمن تنادى !








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق