الأحد، 22 سبتمبر 2019

سر الطربوش

السر- بوش

ملف كامل عن  الطربوش الاحمر Fez_maroon
يعود تاريخ ارتداء القبعات إلى تاريخ ارتداء الإنسان للملابس نفسه. فلم تكن القبعات بأقل أهمية من بقية الملابس التي لبسها الإنسان القديم، لستر عورته وحماية جسمه من الطبيعة حوله. ولهذا يبدأ تاريخ اعتمار الناس للقبعات من النقطة الزمانية و المكانية التي شعر فيها الإنسان بالحاجة لتدفئة رأسه من البرد الشديد ، و من اللحظة التي أحسَّ فيها بضرورة تجنب أشعة الشمس المحرقة بشيء يحمي الرأس و العين من الأذى. ثم ظهر التميّز كحاجة مُلِحَّة و مرتبطة بالسلطة، فبدأت أشكال القبعات في التطور باستصحاب الوظيفة الحمائية الأولى. فارتدى المصريون القدماء التاج منذ ثلاثمائة ألف عام قبل الميلاد للدلالة على نبلهم مقارنة بغيرهم، مثلما ارتدى الرومان و الإغريق قبعات تدل على مكانتهم الاجتماعية، و شيئاً فشيئاً بدأت القبعات تستجيب للحاجات الإنسانية في التجمّل، و يلحظ المؤرخون تطوراً جمالياً كبيراً في أشكالها بدءاً من القرن الرابع عشر الميلادي. و ظلت القبعات تتميز بألوان و أشكال شتى تبعاً لطبيعة الجغرافية و الهوية و التقاليد لكل بلد، و لم تكن القبعات في تطورها التاريخي تفرِّق بين رجل و  امرأة، لكن قد يطغى في فترة تاريخية معيَّنة استخدام جنس للقبعات أكثر من الجنس الآخر.

و قد طال ألبسة الرأس مثل غيرها من الأزياء الكثير من التطور و التبدل سواء عند النساء أو الرجال ، و إن كان تطور لباس رأس الرجال أسرع و أكثر تنوعاً و تبايناً و إتقاناً.

و من ألبسة الرأس الرجالية التي اشتُهرت في الماضي "القاووق" و"القلبقط" و"العُرف" و"الطبزة" و"التاج" و"اللبادة"، و هي ألبسة انقرضت منذ عشرات السنين و  انقرضت صناعتها ولم يبق منها شيء يُذكر بعد أن كان لكل واحد منها دلالة علي مكانة صاحبها و وظيفته الاجتماعية.

غير أن سيد هذه الألبسة هو : الطربوش الذي  لمع نجمه  في البلاد العربية خلال العصر الحديث – كقبعة حمراء ذات ذيل خيطي أسود يتدلى من أعلاها –    و كان في الماضي رمزاً للوجاهة و الأناقة. و قد عرف المجتمع السوري هذا النوع من الزي منذ أكثر من مائة عام، و كان العامل الأساسي في انتشاره و شيوعه هو الفرمان الشاهاني الذي أصدره السلطان العثماني "محمود الثاني" و الذي اهتم بلباس رجال دولته و رعيته، و حدد في هذا الفرمان طول الشارب واللحية و طراز الجبة و عرض أكمامها و أوجب لبس الطربوش كلباس للرأس معترف به رسمياً بل كان أول من لبس الطربوش من سلاطين الدولة العثمانية.

اختلف المؤرخون في أصل نشأته.. فهناك من يقول إن منبته و جذره المغرب العربي و من ثم انتقل إلى الإمبراطورية العثمانية، في القرن التاسع عشر. و بينما يرى آخرون أن الطربوش أصله نمساوي، نجد مجموعة تؤكد أنه يعود إلى العثمانيين أنفسهم كونهم أول من استخدمه. و هناك من المؤرخين أيضاً، من يرى أنه موروث جاء من تركيا و بلاد البلقان، أو أنه يوناني الأصل أتى به الأتراك إلينا.................

و كلمة طربوش محرفة عن الفارسية "سر-بوش" و تعني زينة رأس الأمير ثم حُرّفت إلي "شربوش" فأصبح شبه عمامة تلتف حول طاقية حمراء من الجوخ سطحها يتراوح بين "10- 14" سم، و تعلق في وسطها شرابة غليظة زرقاء أو سوداء تتدلي حتي العنق  و من ثم استبدلت بكلمة الطربوش، ذلك ربما لعلاقتها بالطرة أو باللفظة الفرنسية (tiare ) ، و التي تعني زينة رأس الملوك و الباباوات.  و حل محل الطربوش الكبير الطربوش النمساوي تشبهاً بالأجانب و  أطلق عليه اسم "فيز FEZ" نسبة إلي مكان صناعته و هي "فيينا" عاصمة النمسا و كان شكله اسطوانياً و لونه أحمر أو أبيض ثم حوّل الاسم إلي "فاس" وزعموا أنه يدل علي مدينة "فاس" المغربية كي يموّه عن المسلمين منشؤه الأصلي و يرضي مشاعرهم الدينية بأنهم لا يستعملون بضائع الأوربيين.

 ظل الطربوش منتشرا في مصر، حتى العام 1952، و لا يزال الكثير من العلماء و شيوخ الأزهر الشريف يستخدمونه إلى يومنا هذا. و يعود إليهم الفضل في عدم انقراضه.

أما أهم المشاهير الذين ارتدوا الطربوش على مستوى الملوك:  فكان الملك المغربي الراحل " الحسن الثاني" و  الملك المصري الراحل " فاروق"، و الأديب "طه حسين" و " فكري أباظة" و  "سعد زغلول"، و المطرب المصري الشعبي الراحل " محمد طه".
و  في العموم، فإن تلك الآراء و وجهات النظر، تبقى واحدة في نسيجها و دلالات حبكتها التي تعنى بقصص و جماليات رمز مهم في التاريخ العربي الحديث: بات لا يستعمل إلا نادرا. و هكذا أوشكت مهنة صناعته، على الانقراض!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق